الجواب المتقن في بيان رجم الزاني المحصن: - (الجزء الثاني)
|
الجواب المتقن في بيان رجم الزاني المحصن |
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،،،
والأدلة على رجم الزاني المحصن من السنة: للذين يطعنون في البخاري انقل لكم أكثر من مصدر لمزيد من التأكيد، فمن طعن في مصدر فلا يمكنه الطعن في بقية المصادر الأخرى، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى كثرة استدلال لمن وفقه الله ، ولكنه ينفع في إقامة الحجة على من كان في قلبه مرض
حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ " أخرجه البخاري ومسلم، فمن تكلم في البخاري فالإمام مسلم حجة ترد عليه، فمن طعن في مسلم وأنكر حديث البخاري ، نأتيه بحديث أخر عن صحابي جليل من الخلفاء الراشدين – وهو حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (( لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ فَعَلَيْهِ ((الرَّجْم))ُ أَوْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلامِهِ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ)) رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي واللفظ له، وهو حديث صحيح. فهؤلاء ثلاث رواة غير مسلم والبخار ، فإن أخطأ البخاري ومسلم فلا يمكن أن يخطئ هؤلاء وغيرهم ممن رووا أحاديث رجم الزاني المحصن، وقد ثبت أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإقامته لهذا الحد ثبوتا قطعيا لا يمكن أن ينكر، ولا يجحده إلا مكابر ومعاند لا يقبل الحق.
من ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، من ذلك مع ما سبق:
حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الأَخِرَ قَدْ زَنَى يَعْنِي نَفْسَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ.. فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ بِكَ جُنُونٌ قَالَ لا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ» وَكَانَ قَدْ أُحْصِنَ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ جَمَزَ حَتَّى أَدْرَكْنَاهُ بِالْحَرَّةِ فَرَجَمْنَاهُ حَتَّى مَاتَ. رواه البخاري.
فمن طعن في السنة بحجة تأخر التدوين وغيرها من حجج باطلة مردوده، إن تدوين السنة الشريفة المطهرة، ليس حديث عهد أو أمر متأخر بل هو بدأ من تنزل الوحي على رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، فقد ثبت بالدليل أن كتابة الحديث كانت في عصر الصحابة، وهذا أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمه في بيته ليلاً ونهاراً عشر سنوات، كان يقول لبنيه: (يا بني قيدوا العلم بالكتاب)، وكان يملي الحديث حتى إذا ما كثر عليه الناس جاء بِمَجالّ من كتب، فألقاها ثم قال: (هذه أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضتها عليه).،
وضع خطاً تحت قوله (سمعتها وكتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضتها عليه)، فهل يفتري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم يكذب، الجواب لا يشك في صدقه، وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يسمح لبشير بن نَهيك أن يكتب عنه، ويجيزه بالرواية عنه، وفي رواية يقول بشير: (أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبته فقرأته عليه فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم)، وروى عمرو بن أمية الضمري أنه رأى كتباً كثيرة عند أبي هريرة. وكتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه إلى المغيرة بن شعبة: (اكتب إلي بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب المغيرة إليه: أنه كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). وخلاصة الأمر أن تدوين السنة أمر ثبت بالدليل الصحيح، وإن كان الأمر في مبتدأه النهي عن كتابة الحديث ، خشية أن يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، وأن يشتغل عن القرآن بسواه، وقد ذكر الخطيب البغدادي ذلك بقوله: (فلما أُمن ذلك ودعت الحاجة إلى كتب العلم – لم يكره كتبه، كما لم تكره الصحابة كتب التشهد، ولا فرق بين التشهد وبين غيره من العلوم في أن الجميع ليس بقرآن، ولن يكون كتب الصحابة ما كتبوه من العلم وأمروا بكتبه إلا احتياطاً، كما كان كراهيتهم لكتبه احتياطاً، والله أعلم).
الأمر الأخر نرد عليه إن لم تسلم بنقل هذا الدين عن طريق الخبر عن فلان عن فلان، فلا يصح لنا في الإسلام شيء بدءا من الصلاة، ففي قوله تعالى: تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ، وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون ) من سورة الروم، نجد أنه تم ذكر أربع صلوات فقط ، مع أن المسلمين يؤدون خمس صلوات أي أن صلاتهم زائدة فلماذا لم تذكر الصلاة الخامسة ؟ و من أين نجد الجواب، في السنة، فقد جاء في تفسير هذه الآية ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : الصلوات الخمس في القرآن ، فقيل له : أين ؟ فقال : قال الله تعالى : ( فسبحان الله حين تمسون ) صلاة المغرب والعشاء ، ( وحين تصبحون ) صلاة الفجر ، ( وعشياً ) العصر ، ( وحين تُظهرون ) الظهر . وقاله من المفسرين أيضاً الضحاك وسعيد بن جبير . ولكل منكر ومشكك في السنة أن يسأل نفسه كم ركعة تصلي الظهر، أو العصر أو الفجر ؟
إن لم يكن هناك بياناً من السنة، وكم هو نصاب الزكاة ؟، فإن كان لمنكري حد الرجم عقل وعدل وإنصاف لتنبهوا إلى أن الصلاة التي هي من أفضل وأهم العبادات لم يبين القرآن عدد الركعات وكيفيتها إلا في السنة تجده، فإن ليس من العجيب أو الغريب أن لا يذكر الرجم في القرآن وتبينه السنة، مع أنه ذكر وتم نسخ الأية !!!!. ففهم كتاب الله عز وجل بالسنة وتفسيره بالسنة، فالسنة مفسره للقرآن ومكمله له ولا غنى للعبد بالقرآن الكريم دون السنة، أي أن حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن، لأجل ذلك قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - في البحر المحيط " للزركشي: " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب "، لأن شريعة الله ودينه لا ينحصر في القرآن فقط وانما السنه هي جزء من التشريع لقوله تعالى (وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى)، وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ النحل، وقال أيضاً: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ النساء، والحكمة هنا السنة عند جمهور المفسرين.
وأخيراً هذه بعض من أقوال أهل العلم:
1) قال القرطبي في المفهم إذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين ، ولا التفات لإنكار الخوارجِ والنّظَّامِ، الرَّجْمَ ؛ إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم ، وإما لأنَّهم لا يعتد بخلافهم ؛ لظهور بدعتهم وفسقهم على ما قرَّرنا في الأصول.
2) وقال النووي عند حديث وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى وُجُوب جَلْد الزَّانِي الْبِكْر مِائَة , وَرَجْم الْمُحْصَن وَهُوَ الثَّيِّب , وَلَمْ يُخَالِف فِي هَذَا أَحَد مِنْ أَهْل الْقِبْلَة , إِلا مَا حَكَى الْقَاضِي عِيَاض وَغَيْره عَنْ الْخَوَارِج وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة.
3) ونقل ابن عبد البر في الاستذكار الإجماع على ذلك ثم قال: وأما اهل البدع والخوارج منهم ومن جرى مجراهم من المعتزلة فانهم لا يرون الرجم على زان محصن ولا غير محصن ولا يرون على الزناة الا الجلد وليس عند احد من اهل العلم ممن يعرج على قولهم ولا يعدون خلافا.
4) قال: ابن بطال "أجمع الصحابة وأئمة الأمصار على أن المحصن إذا زنى عامدا عالما مختار فعليه الرجم، ودفع ذلك الخوارج وبعض المعتزلة" الفتح.
5) وقال ابن حزم في المحلى: اتَّفَقُوا كلهم حَاشَ من لاَ يُعْتَدُّ بِهِ بِلاَ خِلاَفٍ وَلَيْسَ هُمْ عِنْدَنَا من الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا إنَّ على الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ إذَا زَنَيَا وَهُمَا مُحْصَنَانِ الرَّجْمَ حتى يَمُوتَا.
6) وقال ابن رشد في بداية المجتهد: فَأَمَّا الثُّيَّبُ الْأَحْرَارُ الْمُحْصَنُونَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حَدَّهُمُ الرَّجْمُ إِلَّا فِرْقَةً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ حَدَّ كُلِّ زَانٍ الْجَلْدُ.
7) وقال ابن قدامة في المغني: وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الْخَوَارِجَ.
8) وقال العيني في عمدة القاري: اسْتِحْقَاق الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ، وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك.
9) قال الجصاص في أحكام القرآن: وقد أنكرت طائفة شاذة لا تعد خلافا الرجم وهم الخوارج وقد ثبت الرجم عن النبي بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وبنقل الكافة والخبر الشائع المستفيض الذي لا مساغ للشك فيه وأجمعت الأمة عليه فروى الرجم أبو بكر وعمر وعلي وجابر بن عبدالله وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وبريدة الأسلمي وزيد بن خالد في آخرين من الصحابة.
فهل بعد رواية ثلاثة من الخلفاء الراشدين (أبو بكر وعمر وعلي)، وتطبيق هؤلاء الأئمة الأجلاء لحد الرجم شكا في ثبوت رجم الزاني المحصن ...؟.
أبو أيوب
0 تعليقات