الفرع الثاني الفضالة
( gestionv daffaires )
|
بحث قانوني عن تعريف الفضالة واركانها - احكام الفضالة |
856 - نتكلم في الفضالة على أركانها ثم على أحكامها .
المبحث الأول أركان الفضالة
857 - النصوص القانونية : نصت المادة 188 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
" الفضالة هي أن يتولى شخص عن قصد القيام بشا ، عاجل لحساب شخص آخر ، دون أن يكون ملزماً بذلك ( ) " .
ونصت المادة 189 على ما يأتي :
" تتحقق الفضالة ولو كان الفضولي ، في أثناء توليه شأناً لنفسه ، قد تولي شأن غيره ، لما بين الشأنين من ارتباط لا يمكن معه القيام بأحدهما منفصلاً علن الآخر ( ) " .
ونصت المادة 190 على ما يأتي :
" تسري قواعد الوكالة إذا اقر رب العمل ما قام به الفضولي ( ) " .
ويقابل هذه النصوص التي اشتمل عليها القانون المدني الجديد نص وأحد في القانون المدني القديم هو نص المادة 144 / 205 ، وقد جرت بما يأتي :
" من فعل بقصد شيئاً تترتب عليه منفعة لشخص آخر ، فيستحق على ذلك الشخص مقدار المصاريف التي صرفها والخسارات التي خسرها ، بشرط إلا تتجاوز تلك المصاريف والخسارات قيمة ما آل إلى ذلك الشخص من المنفعة " .
ونص القانون القديم مبهم مضطرب المعنى ، فهو ليس صريحاً في لانصراف إلى الفضالة في خصوصها ، ولا هو يتمحض لتقرير قاعدة الإثراء بلا سبب في عمومها ( ) . وقد أزالت نصوص القانون الجديد هذا الإبهام والاضطراب ( ) .
858 - أركان ثلاثة للفضالة : ويتبين من هذه النصوص الجديدة التي قدمناها أن الفضالة تتحقق بقيام أركان ثلاثة ( ) .
- ( 1 ) أن يقوم الفضولي بشأن عاجل آخر . وهذا هو الركن المادي .
- ( 2 ) أن يقصد ، في قيامه بهذا الشأن العاجل ، مصلحة رب العمل . وهذا هو الركن المعنوي .
- ( 3 ) ألا يكون ، إزاء هذا الشأن العاجل . ملتزماً به ولا موكلاً فيه ولا منهياً عنه . وهذا الركن يمكن أن يطلق عليه الركن القانوني .
- ونستعرض هذه الأركان الثلاثة .
المطلب الأول
قيام الفضولي بشأن عاجل لرب العمل
859 - عناصر هذا الركن للفضالة هو أن يقوم الفضولي بشأن عاجل لرب العمل . وهذا الشأن قد يكون تصرفاً قانونياً أو يكون عملاً مادياً وهو في الحالتين بجب أن يكون عاجلاً .
1 - تصرف قانوني أو عمل مادي
1 - التصرف القانوني
860 - كيف يقوم الفضولي بتصرف قانوني :
يصح أن يكون الفضولي وكيلاَ في الأصل عن رب العمل ، ولكنه يجاوز حدود الوكالة عالماً بذلك أو غير عالم ، فهو فيما جاوز فيه هذه الحدود فضولي ( ) . أو يستمر في العمل باسم الأصيل بعد انتهاء الوكالة ، سواء علم بإنهاء الوكالة أو لم يعلم ، فهو فضولي فيما قام به بعد انتهاء وكالته ( ) .
ولكن قد يعمل الفضولي دون وكالة أصلاً فيقوم بتصرف قانوني باسم رب العمل . مثل ذلك أن يقبل هبة صدرت من الواهب إلى رب العلم ، أو أن يؤجر عيناً شائعة بينه وبين رب العمل ( ) ، أو أن يبيع محصولات زراعية لرب العمل مما يسرع إليه التلف ، أو يوفي بضريبة واجبة على رب العمل توقياً للحجز الإداري ( ) . أو أن يقبل اشتراطاً لمصلحة رب العمل حتى يصبح الاشتراط باتاً لا يتحول عنه ( ) . ونرى من ذلك أن التصرفات القانونية التي يقوم بها الفضولي قد تكون من أعمال الإدارة وقد تكون من أعمال التصرف .
861 - ما يترتب على صدور التصرف القانوني باسم رب العمي :
وقد قدمنا أن الفضولي يقوم بالتصرف القانوني باسم رب العمل ، كأنه وكيل عنه دون أن تكون هناك وكالة ويترتب على ذلك :
( 1 ) إذا توافرت جميع أركان الفضالة الأخرى وقع التصرف نافذاً مباشرة في حق رب العمل كما لو كان الفضولي وكيلاً عنه . وسنرى تفصيل ذلك فيما يلي .
( 2 ) ليس من الضروري أن يكون الفضولي ذا أهلية كاملة لمباشرة التصرف القانوني الذي تولاه باسم رب العمل ، شأنه في ذلك شأن الوكيل . ويكفي أن يكون من أهل التمييز .
( 3 ) وعلى العكس ما تقدم يجب أن يكون رب العمل أهلاً للتصرف القانوني الذي تولاه الفضولي عنه ، لأنه يقع نافذاً مباشرة في حقه كما قدمنا ( ) .
( 4 ) يخضع ، من ناحية الإثبات ، التصرف القانوني الذي تولاه الفضولي باسم رب العمل للقواعد العامة في إثبات التصرفات القانونية . فإذا كان التصرف عقداً ، ولم يجز إثباته فيما يجاوز عشرة الجنيهات إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها وإلا بالإقرار أو الميين .
ب - العمل المادي :
862 - جواز أن يكون عمل الفضولي عملاً مادياً :
هناك من يرى أن العمل الذي يقوم به الفضولي يجب أن يكون دائماً تصرفاً قانونياً قياساً على الوكالة ( ) . ولكن هذا الرأي مرجوح ، ويصح أن يقوم الفضولي بعمل مادي كما يقوم بتصرف قانوني ، وفي هذا تختلف الفضالة عن الوكالة .
والعمل المادي الذي يقوم به الفضولي قد يكون عملاً مادياً بالنسبة إلى رب العمل ، وقد يكون عملاً مادياً في ذاته .
863 - العمل المادي بالنسبة إلى رب العمل :
فالفضولي عندما يتعاقد باسمه الشخصي ، أو باسم رب العمل ، بشأن عاجل من شؤون رب العمل ، يكون قد قام بتصرف قانوني فيما بينه وبين الغير الذي تعاقد معه . ولكن هذا التصرف القانوني يعتبر عملاً مادياً بالنسبة إلى رب العمل . مثل ذلك أن يتعاقد الفضولي مع مقاول لإصلاح منزل لرب العمل من خلل يهدده بالسقوط ، أو أن يتعاقد مع طبيب لعلاج رب العمل من مرض دهمه واقتضاه إسعافاً سريعاً ، أو أن يتعاقد مع معلم يعطى دروساً خاصة لرب العمل ، أو أن يقوم بدفع المصروفات المدرسية عن رب العمل حتى لا يفصل من مدرسته ، أو أن يفي بدين على رب العمل ليجنبه الحجز على ماله ( ) .
ولما كان هذا التصرف القانوني قام به الفضولي يعتبر عملاً مادياً بالنسبة إلى رب العمل ، فإنه يجوز لرب العمل في رجوعه على الفضولي أن يثبت هذا التصرف بالبينة والقرائن ولو زادت قيمته على عشرة جنيهات . كذلك يجب أن يكون الفضولي ذا أهلية كاملة للتصرف الذي تولاه ولا يكفي فيه أن يكون من أهل التمييز ، وهذا لم يتعاقد نائباً عن رب العمل ، بل تعاقد باسمه الشخصي ، فانصرف أثر العقد إليه ، وسنرى فيما يلي تفصيل ذلك .
864 - العمل المادي في ذاته :
وقد يقوم الفضولي بعمل مادي في ذاته ، كان يقطع التقادم في حق مهدد بالسقوط لرب العمل ، أو أن يقيد وهناً لمصلحة رب العمل ، أو أن يجدد قيد الرهن ، أو أن يطفئ حريقاُ اشتعلت في منزل لرب العمل ، أو أن يجنى محصولا لرب العمل يخشى عليه إذا لم يجن من التلف ، أو أن ينقي زراعة رب العمل من دودة القطن ، أو أن يكبح جماح حصان أوشك أن يلقي براكبه إلى الأرض ، وما إلى ذلك من الأعمال المادية التي تكون من الشؤون العاجلة لرب العمل ( ) .
وغنى عن البيان أن هذه الأعمال المادية تثبت بجميع الطرق ، ويدخل في ذلك البينة والقرائن ( ) .
2 - شأن عاجل لرب العمل
865 مجرد النفع لا يكفي :
تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي وهي تذكر أو كان الفضالة إن من بين هذه الأركان " أن يكون ما يتصدى له الفضولي ( شاناً عاجلاً ) ، فليس يكفي لتبرير الفضالة أن يكون التصدي نافعاً أو مفيداً ، بل لا بد أن يكون ضرورياً ( ) .
وإذن لا يكفي مجرد النفع أو الفائدة يجلبه الفضولي لرب العمل . فلا يجوز مثلاً أن يتقدم الفضولي لشراء صفقة من أرض أو بناء لحساب رب العمل لمجرد أنها صفقة رابحة ، أو أن يطلب الأخذ بالشفعة لحساب رب العمل لمجرد أن الأخذ بالشفعة يعود عليه بالنفع ، أو يقيم بناء على أرض فضاء مملوكة لرب العمل لمجرد أن إقامة البناء تمكنه من استغلال الأرض استغلالاً مفيداً ، أو أن يقسم مالا شائعاً لرب العمل لمجرد أن يجنيه مضار الشيوع ( ) . في كل هذه الفروض نرى أن عمل الفضولي عمل نافع ، بل قد يكون محقق الفائدة ، ولكنه ليس من الشؤون العاجلة لرب العمل . فلا يجوز للفضولي انو يتدخل فيها . وإذا تدخل فلا يكون فضولياً ولا يلزم رب العمل في شيء ، بل قد يكون تدخله خطأ يستوجب مسئوليته التقصيرية . ولكن إذا رأى رب العمل أن يجيز تدخل الفضولي ، فإن الإجازة تجعل العمل ينقذ في حق المجيز وفقاً للقواعد العامة .
866 - بل يجب أن يكون العمل " ضروريا " :
وإنما يتعين أن يكون العمل الذي يقوم به الفضولي هو من الشؤون العاجلة " لرب العمل . فلا يكفي أن يكون نافعاً فحسب ، بل يجب أن يكون ضرورياً ومعنى " الضروري " هنا أن يكون العمل الذي قام به الفضولي من الشؤون التي ما كان رب العمل ليتوانى في القيام بها . فقام به الفضولي ناظراً إلى مصلحة رب العمل . نرى ذلك متحققاً فيما قدمناه من الفروض : قبول الهبة عن رب العمل ، إيجار عين شائعة لرب العمل ما كانت تستغل بغير هذا الإيجار ، بيع محصولات يسرع إليها التلف ، دفع ضريبة توقياً لحجز إداري ، قبول اشتراط لمصلحة رب العمل ، التعاقد مع مقاول لإصلاح منزل مهدد بالسقوط ، التعاقد مع طبيب لإسعاف رب العمل من مرض دهمه ، التعاقد مع معلم لإعطاء درس ضروري لرب العمل ، دفع المصروفات المدرسية عن رب العمل حتى لا يفصل من مدرسته ، الوفاء بدين على رب العمل منعاً للحجز على ماله ، قطع التقادم في حق مهدد بالسقوط . قيد رهن أو تجديد القيد ، إطفاء حريق ، حتى محصول يخشى عليه من التلف ، تنقية الزراعة من دودة القطن ، الإمساك بزمام حصان جامح . كل هذه أعمال – قانونية أو مادية - هي من الشؤون العاجلة لرب العمل ، وما كان هو ليتوانى في القيام بها .
ويفهم مما قدمناه في تحديد معنى " الشأن العاجل " أن قيام الفضولي بهذا الشأن ، إذا هو بذل فيه العناية الواجبة ، يؤدى إلى نفع محقق لرب العمل . ومن هنا اشترط بعض الفقهاء في الفضالة أن يتم عمل الفضولي بنجاح ( ) .
ومتى قام الفضولي بالعمل الذي تولاه ، وعاد ذلك بالنفع على رب العمل ، فإنه يستوى بعد هذا أن يبقى هذا النفع أو يزول . فلو أن الفضولي أصلح منزلاً لرب العمل بما أنفقه من المصروفات . وهذا هو عين المبدأ الذي قررناه في قاعدة الإثراء بلا سبب . وسنعود إلى تفصيل ذلك فيما يلي .
0 تعليقات